٢٠٠٩-٠٣-٢٥

سمكة من فيتنام

أنا لا آكل السمك!
ليس لأنني لا أحبه تماما، ولكنني - عندما آكله - لا أشعر أنني أكلت شيئا.. هذا شيء يصعب وصفه ما لم تجربه، لكن حاول أن تتخيل وجبة غداء من الخس مثلا!
كفت أمي عن التظاهر بأنها لا تعرف أنني لا آكل السمك، ثم عن محاولات إقناعي بأن آكله، وأصبح مفهوما أن السمك يجاوره طعام آخر لي.. هذه المرة أصر أبي على أن أجرب السمك الفيليه الذي اشتراه من أولاد رجب، لأنه "جميل جدا" وسيروق لي حتما. أبي - منذ خروجه على المعاش - يجد متعه في أشياء مثل هذه، لذلك أحببت أن أرضيه، ووافقت على "غدوة سمك" مع الأرز!
أعجبني السمك حقا.. وجدت فيه كل صفات الطعام المثالي بالنسبة لي: يؤكل بسرعة، لا يحتاج أكله إلى تفرغ وتشمير للأكمام، وبالتالي يمكنني أكله بالشوكة وأنا أفعل شيئا آخر..
كان أبي سعيدا باكتشافه لهذا السمك، وداوم بعدها على شراء كمية منه كل فترة، لاسيما مع سعره المغري (قال لي سعره وقتها، لكنني نسيت لأنني لم أفهم هل هكذا يكون غاليا أم رخيصا.. إحم.. لم أشترِ سمكا من قبل!).. أراني أبي أحد أكياس السمك، وأخبرني أنه مستورد، لكنه لا يعرف من أين.. على الكيس قرأت - بالإنجليزية - أنه من (فيتنام)!
لك أن تتخيل الدعابات التي قيلت وقتها، عني أنا الذي لا يعجبني السمك إلا إذا كان من قارة أخرى، وعن البلد المطل على بحرين، ويجري فيه نهر، ولكنه يستورد الأسماك "فيليه" من فيتنام!
دعك من تأملاتي الفلسفية العميقة، في عبثية الحياة، التي تجعل سمكة فيتنامية خواجاية، لا تفهم حرفا من العربية (وربما من الإنجليزية كذلك) يستقر بها المقام على طبقي، هنا في حلوان.. دعك من هذه الأفكار، فهي شيء طبيعي بعد أكلة طيبة، وشعور بالامتلاء والرضا عن الكون، وأنت تحتسي كوبا من الشاي..

***
اليوم، وأنا في العمل، اتصل بي زوج أختي:
- هات المصري اليوم بتاع النهاردة!
- ؟؟؟
- ... سمك.. فيليه.. فيتنام!
- ....!

في ساعة الغداء اشتريت الجريدة، ووجدت هذا الخبر في الصفحة الثالثة:

كتب    متولى سالم ومحمد حسام     ٢٥/ ٣/ ٢٠٠٩

علمت «المصرى اليوم» أن الأجهزة الرقابية تجرى تحقيقاتها حالياً حول تسرب أنواع من أسماك «الباسا» داخل الأسواق المصرية، بعد استيرادها من فيتنام، خاصة بعد أنباء ترددت حول احتوائها على «مواد مسرطنة» تهدد الصحة العامة للمستهلكين، الذين يقبلون عليها بشدة نظراً لبيعها بأسعار رخيصة تصل إلى ٧ جنيهات لكيلو «الفيليه».

كشف تقرير رسمى تلقاه أمين أباظة، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، من الدكتور محمد فتحى عثمان، رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السم كية، عن أن الهيئة حصلت على تقارير دولية، أكدت أن سمكة «الباسا» الفيتنامية، التى انتشرت بالأسواق المصرية مؤخراً، خاصة فى عدد من سلاسل المحال الكبرى والعالمية، تتم معالجتها بـ«مواد كيماوية»، منها ـ حسب التقرير ـ المضادات الحيوية بنسب عالية، ومادة أخضر «الملاكيت»، المسببة لمرض السرطان، موضحاً أنه يتم استخدام هذه المواد بكثافة لـ«قتل» الكميات الكبيرة من الميكروبات التى توجد بهذا النوع من الأسماك، والذى يعيش فى المستنقعات والمياه الملوثة.

وأكد التقرير أنه تم إعدام شحنات كبيرة من أسماك الباسا مؤخراً فى أكثر من دولة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قامت هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية بإعدام ١٠٠ طن من هذه الأسماك بعد وصولها إلى ولاية «الاباما»، بعد أن كشفت نتائج تحاليل العينات العشوائية التى قامت بسحبها من الشحنة وجود تلك المواد المسرطنة فى ١٩ من أصل ٢١ عينة تم تحليلها.

فى السياق نفسه، قدم النائب عماد محروس، عضو مجلس الشورى، اقتراحاً إلى صفوت الشريف، رئيس المجلس، أمس، حول سمكة «الباسا» الفيتنامية السامة التى تعيش فى مياه الصرف الصحى التى تتم معالجتها بمادة «ميلا كايت جرين» المسببة للأورام السرطانية، وتساءل عن الجهة التى سمحت باستيراد هذا النوع من الأسماك واسم المستورد.
لن أعلق أكثر، لأنني علقت وكفى..

ـ


٢٠٠٩-٠٣-١٣

الورق...

أنا أحب الورق!

جميل هو الورق الأبيض..
جميل كقلب صديق مفتوح لك كي تبثه شكواك..
جميل كمستقبل يبتسم لك، يمكنك أن تفعل فيه الكثير والكثير..
جميل هو الورق الأبيض..
جميل كالخير..
جميل كراحة البال..
جميل كقصيدة بسيطة، بديعة..
جميل كزهرة رقيقة..
جميل كوجه القمر، يتحدى السواد حوله في العالم كله، ولا

يتوه بياضه وسط هذا السواد..
جميل كطيف حبيبتي حين أخط لها على الورق كلمات تشتعل

حبا..
جميل كطفل برئ نقي..
....
سأظل أعشق الورق الأبيض، وسأظل أتحاور معه بالكلمات

والألوان.. وكل ما أرجوه ألا يكون الأثر الوحيد الذي أتركه

عليه هو أن أبدد جماله..


(شخابيط وجدتها في دفتر قديم بقلم رصاص.. يبدو أنني كتبتها منذ خمس سنوات أو أكثر...)

ـ


٢٠٠٩-٠٣-٠٦

ضجيج

ضجيج..
زحام..
أين أنت؟
لا تعرف.
الكل يتكلم، فلا تسمع صوتك..
الزحام شديد، فلا تعرف أين أنت..
تدور حول نفسك، تبحث في الجميع..
تتوه بين الوجوه..
تشق طريقك بينهم.. كل هذا بلا جدوى.
أنت تائه!
قف حيث أنت..
ارتفع.. ارتفع إلى الأعلى.. ارتفع أكثر!
ماذا ترى؟
لا تميز أحدا؟
صغار.. ضئيلون كالنمل!
حسنا، اقترب.. اهبط قليلا..
ابحث.. دقق النظر..
هأنت ذا.. نعم، هذا أنت.. التائه الذي يتخبط وسط الزحام هذا..
يبحث عن لحظة سكون..
وعندما  يئس من العثور على هذا السكون، توقف، وأغمض عينيه وسط الزحام..
وسَكَن...


ـ