٢٠٠٦-٠٨-٢٨

أستاذي الدكتور عادل توفيق.. وداعا



ألا أحزن؟

صلى الجماعة.. ثم مات

أغمض العين الخجولةَ التي لطالما استحت من المواجهة..

كنتُ تلميذا جهول..

الآن أعرف أنني كنت الجهولُ

كان الشباب الغض يفور فورة الحماس..

يعلو ويعلو حتى يغطي على صوتك الرنان..

فتطرف العينانِ تكتم الغضب

ويسكت الصوت الرجولي الخشن..

قبل أن تثور ثورة الأطفال

كعادتك

وفي المكتب..

توبخنا..

وتنهرنا

وتطردنا!

رافضا كل اعتذار!

ولكني.. وصدقني..

برغم كل ما قد كان أو سيكون..

لم أنسَ

ولن أنسى

أنك كنت

أستاذي..

....

لم يلحق صلاة العصر في المسجد!

...

في الصباح

ككل يوم جمعة..

يصحو فيغتسل اغتسالا للصلاة..

كما قالت له السنة..

كما فعل النبي الخاتم القدوة..

هو القدوة..

"كذا قال لي (الدكتور) يا أبت.."

"أعرب الدكتور عادل جملةً ..

فلم أفهم..

لم أفهمه يا أبت.."

وينظر نظرةً حيرى.. إلى وجهي..

مات اليوم يا أبتِ..

صلى الجماعة ثم مات..

...

هل جلس ينصت للإمام كمثلنا..

أم كان يا أبتِ

الإمام؟

لماذا مات يا أبت؟

لماذا اليوم؟

لماذا مات أستاذي

بدون وداع؟

لماذا مات يا أبتِ؟

لماذا..

قبل أن أفهم؟!

٢٠٠٦-٠٨-٢٧

عبقري!


هذه قصة طريفة وصلتني عبر البريد الإلكتروني من د. إيهاب أبو ستة..

أضحكتني كثيرا.. اضحكوا معي:

رسب أحد الطلاب في مادة التعبير، وهذا أمر غير اعتيادي.. أن يرسب طالب في مادة سهلة كالتعبير، وعندما سأل المعلم عن سبب رسوبه في المادة قال:والله يا إخوان الطالب ما يركز كل مره نعطيه يكتب عن موضوع يخرج عن الموضوع..

قالوا: أعطنا عينات من مواضيع التعبير التي كتبها.

فقال المعلم: على سبيل المثال.. أعطيته موضوعاً عن فصل الربيع.. فكتب: "فصل الربيع من أجمل الفصول في السنة، تكثر فيه المراعي الخضراء مما يتيح للجمل أن يشبع من تلك المراعي، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياما، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر ويربي البدو الجمل، فهو سفينة الصحراء، فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة لأخرى، والجمل حيوان أليف...

ويستمر الطالب في التغزل في الجمل..

فقال المعلمون: قد يكون قرب موضوع الربيع من الجمل وارتباطه بالرعي هو الذي جعل الطالب يخرج عن الموضوع..

فقال المعلم :لا خذوا أيضا هذا الموضوع الذي طلبنا من الطالب أن يكتب عنه: "اكتب عن الصناعات والتقنية في اليابان"..

فقال:تشتهر اليابان بالعديد من الصناعات ومنها السيارات، لكن البدو في تنقلاتهم يعتمدون على الجمل، والجمل حيوان أليف، ويربي البدو الجمل فهو بري ويصبر على الجوع والعطش أياما، ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر، والجمل سفينة الصحراء..

قال المعلمون: هل هناك موضوع آخر؟

فقال المعلم: كل موضوع يبدأ فيه لنصف سطر ينتهي بصفحات عن الجمل.. "اكتب موضوعا عن الحاسب الآلي وفوائده" هذا موضوع بعيد جداً عن الجمل.. كتب:الحاسب الآلي جهاز مفيد يكثر في المدن ولا يوجد عند البدو لأن البدو لديهم الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش ويستطيع المشي على الرمل بكل سهولة ويسر, ويربي البدو الجمل فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة لأخرى .

فاتفق المعلمون جميعهم على أن يرسب الطالب بدون أي تردد.

وتقدم الطالب بشكوى للوزير بعد أن طلب الوزير التحقيق في الموضوع، فكتب الطالب في خطاب الشكوى :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.................. سعادة وزير التربية والتعليم.. أقدم لمعاليكم تظلمي هذا، وفيه أشتكي معلم التعبير لأني صبرت عليه صبراً لا يحتمله الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياما، ويستطيع المشي على الرمل ويربي البدو الجمل فهو سفينة الصحراء، وهو الذي ينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة لأخرى، والجمل حيوان أليف .......

وكما تعلمون سعادتكم فإن الجمل يستمد طاقته من سنامه الذي يخزن فيه الكثير من الشحوم، أما عيني الجمل ففيها طبقة مزدوجة تحميها من الرمال والعواصف..

٢٠٠٦-٠٨-٢١

سعاد

دمعت عيناي اليوم..

أنا لا أبكي بسهولة.. دمعتي ليست قريبة (لا أقصد أنني منعدم الإحساس طبعا.. لكن التأثر عندي قلما يصل إلى درجة البكاء).. لكنني فوجئت اليوم بصوتها المتعب الحزين وهي تقرأ هذه القصيدة قبل موتها (يرحمها الله)، فدمعت عيناي تأثرا.. فوجئت لأنها كانت عدة أغنيات حملتها من موقع السالمية ولم أكن أعلم عندما حملتها أن هذه هي القصيدة التي سجلتها بصوتها لإحدى الإذاعات العربية قبل وفاتها؛ لتحصل منها على بعض نفقات علاجها عندما وجدت نفسها وحيدة مفلسة.. سمعت هذا التسجيل من قبل في التلفزيون المصري في الهوجة التي حدثت بعد وفاتها، وظللت أذكره إلى الآن.. الغريب أنني أمس فحسب كنت أتحدث عن هذا التسجيل مع بعض الزملاء في منتدى روايات، لعل أحدهم لديه نسخة منه.. واليوم ها هو قد داهمني من حيث لا أدري..

سعاد حسني.. الصورة المثالية للأنثى في نظري.. الأنثى كما يجب أن تكون...

تريد أن تبكي أنت أيضا..؟.. ها هي ذي القصيدة: أنغام سبتمبرية

بالمناسبة.. القصيدة هنا بها تعديلات كثيرة على النص الذي ورد في ديوان جاهين (أشعار العامية المصرية).. لكني لا أعرف من قام بتعديلها.. هل هو صلاح جاهين نفسه قبل وفاته أم بهاء ابنه؟

قانا

قصيدة جديدة كتبها د. عز الدين إسماعيل وكتبتها أنا على الكمبيوتر وأرسلتها بالإيميل لأخبار الأدب.. كان هذا في الأسبوع الماضي.. أمس رأيتها منشورة في أخبار الأدب..
قصيدة في منتهى الروعة برغم ما قاله لي د. عبد الناصر حسن - أستاذ النقد الأدبي-أنها مباشرة نوعا.. د.عز الدين نفسه قال أن هذا صحيح إلى حد ما، بحكم أنها استجابة للأحداث الجارية، فكان طبيعيا أن تكون قصيدة انفعالية..على كل حال فإن القصيدة تروق لي بشدة.. وها هي ذي:

قانا


قانا الأولى

قانا الثانيةُ..

الثالثةُ..

الرابعةُ..

الألف.

قانا الأمسِ..

وقانا اليومِ..

وقانا الغدْ.

قانا فاتحةُ التاريخِ..

وفاصلة الأيامْ

قانا جَوْهرةٌ فوقَ جبين الأيامْ

ويُعلِّقها لبنانُ تميمةْ

قانا شارةُ لبنانَ الأبديةْ

قانا أسطورةُ ميلادٍ يتجددْ

قانا ميلادٌ أبديٌّ وتَوَلُّدْ

قانا عاشقةُ الفينيقِ الأُولى

تحترقُ لكي تنهضْ

قانا تحترق بِنارِ البَغْيِ

وتنْحَلُّ رمادا أخضرْ

يتلألأُ في الوادي

فوق التلةِ..

في البيدرِ..

في أحشاء الأعشاب البريةْ

قانا مأساةُ العُرْسِ وعرسُ المأساة

قانا أمٌّ وأبٌ

أخْتٌ وأخٌ

طفلٌ، طفلةْ

قانا الخالُ وقانا العَمّْ

قانا الخَالةُ والعَمَّةْ

قانا الأهلُ وقانا الصُّحبةْ

قانا الجيرانُ..

وجيران الجيرانْ

قانا الحارةُ والبَاحَةُ والغُدْرانْ

وملاعبُ للأطفالِ وللصِّبيانْ

قانا الكرمةُ..

والجدولُ..

والزَرْزُورْ

قانا البَيْدَرُ والناطورْ

قانا الحُرةْ

قانا الدُّرَّةْ

شارَةُ لبنانَ المنصورْ

قانا المَعْلَم والشَّارةْ

قانا الحُجَّةُ والبُرهانْ

قانا تَنْقُشُ فوق سماءِ العالمِ درسًا

دَرْسَيْنِ..

دُروسَا

دَرْسًا تَصْعَدُ فيه قانا المنتصرةُ..

تصعدُ، تصعدُ، تصعدْ

درسا يَسقطُ فيه الباغي منكسرًا

يسقطُ..

يسقطُ..

يسقطْ

ودُروسًا للعالمْ

كلِّ العالْم

ما زال الحقُّ هو القُوَّةْ

بل فوق القوة

والأمَّةُ ما زالتْ فوق الحُكَّامِ المَهْزُومينْ.



٢٠٠٦-٠٨-١٩

ممتاز لكن عنيد


تجربة جديدة مررت بها لمدة أربعة أيام ، بتحريض من أختي (نجوى)..
معهد الوفاء الأزهري الذي تعمل به.. هي مدرسة ابتدائية وإعدادية خاصة تابعة للأزهر.. قدمت فيه للتعيين (مدرس عربي طبعا) فكانت الاستجابة مبشرة.. معاد للامتحان التحريري في اللغة العربية.. امتحان حربي! عصرونا! لكني أعرف مستواي جيدا (الحمد لله. . ليس غرورا) فكنت الأول أو الثاني -لا أعرف - فينتيجة هذا الاختبار.. وبعد؟ دورة تدريبية خمسة أيام لم أحضر أولها ثم انتظمت بعدها..
لم أحصل على معلومات جديدة تقريبا.. هي المعلومات والنظريات والأساليب التي درستها في الكلية، لكن التركيز هنا كان على التطبيق.. على الجانب العملي.. وهذا ما كنت أفتقر إليه حقا..استفدت كثيرا بلا شك.. كادت المعلومات التربوية هذه تصدأ في رأسي!
الحقيقة أنني عشت وتمثلت في هذه الأيام كيف يجب أن تكون الصورة المثالية للتدريس بافتراض توافر الإمكانات؛ فمشكلة أي مدرس في مصر أنه فور تخرجه يجب أن ينسى كل ما تعلمه عن طرائق التدريس الحديثة ؛ لأن الإمكانات محدودة ، وعليه أن يكيف نفسه على التعامل بالسبورة والطباشير.. فإذا ما حضرت بعض الإمكانات بعد ذلك لم يستطع أن يستغلها أو يوظفها تربويا كما ينبغي.. وهكذا نظل ندور في هذه الدائرة..
هنا توافرت الإمكانات.. الشرح طوال مدة الدورة كان بالبروجكتور والوسائل الإيضاحية .. وفي أحد الأيام جلبوا جهاز data show واستخدموه في الشرح ..وفي نهاية الدورة ، حين طلبت هذا الجهاز وأعددت درسا بالباوربوينت ، إلى جانب كاريكاتير رسمته لأستخدمه في التمهيد للدرس..
الجميل في الموضوع هم البشر الذين قابلتهم هناك.. أروع مجموعة من البشر يمكنك أن تقابلها.. أعترف أنني كرهت أغلب المدرسين الذين قابلتهم بعد التخرج ؛ بسبب هذا التعامل الروتيني الغبي مع التدريس.. مدرس النحو مثلا : يحفظ تماما كل الدروس التي يقوم بتدريسها عن ظهر قلب.. لكن ناقشه في أي نقطة في اللغة تستدعي تفكيرا أو إعمالا للعقل أو مرونة فكرية.. لا تجد.. جمود.. هذه هي الكلمة المناسبة هنا.. لكن المدرسين هنا أبهروني بالعكس تماما.. تصور مدرسا محترفا منذ عشرة سنوات على الأقل ويجلس في مقعد الطالب من جديد ، ويقبل أن تناقشه في الطريقة الأنسب للتدريس ، ولديه استعداد تام للاعتراف بخطئه إن أخطأ.. هذا لن يفشل أبدا..احفظ هذه: من يشعر أنه وصل في العلم إلى مكانة عالية ، فاعلم أنه سيتوقف عن هذا القدر ولن يتعلم شيئا بعد ذلك ، بل إن مستواه سينخفض تدريجيا بالنسبة لأي خريج جديد لأن العلم نفسه لا يتوقف ثانية واحدة.. لن ينتظره أحد..
أتذكرون أحمد زويل بعد نوبل؟ لن أنسى أبدا قوله (الذي كان واضحا أنه شعور حقيقي لديه) أنه مازال يشعر أنه ما زال تلميذا ، ولديه الكثير ليتعلمه.. هذا ليس تواضعا، لكنه تفكير واقعي محض.. أنت لديك قدرات إنسان ذكي مبدع، لكنك تعيش في مجتمع من محدودي الذكاء أو "ذوي الاحتياجات الخاصة" .. فماذا يمكنك أن تحقق؟ ومتى سترضى عن نفسك؟.. هل ستفكر فيما (يمكنك) أن تصل إليه ، أم في الحد الأدنى للمطلوب منك في مجتمعك؟

لو قارن زويل نفسه بأستاذ جامعة مصري لما حقق شيئا.. لكنه قارن نفسه بمن امتلك عقلا كعقله.. بآينشتاين ونيوتن.. وعندما فعل شعر أنه لا شيء بالنسبة إليهم.. وظل يعمل حتى أصبح مثلهم.. وما زال يعمل لأنه مازال يرى نفسه أقل منهم.. سيتوقف فحسب عندما يشعر أنه أصبح عالما عظيما..

المهم.. كل هذا جميل؟.. أعجبتهم أفكاري، وإجادتي للكمبيوتر، وأشادوا بمستواي العلمي، ورفضوا قبول انضمامي لهم لأنني عنيد!..

أنا لم أنكر لحظة – ولا أخفي – مسألة عنادي هذه.. لكنني لم أتصور أن أفقد وظيفة بسبب عنادي!.. كيف عرفوا؟ من مناقشاتي في المحاضرات.. قالوا أنني لا أبدي استعدادا للتخلي عن رأيي.. وهذا صحيح طبعا.. إذا كان رأيي صحيحا فلماذا أتخلى عنه؟.. لا أرفض قبول أي رأي آخر.. لكن أقنعني.. ما حدث في هذه المحاضرات كان خلافا حول مسألة لغوية (كلمة أرى أنها خطأ ويرون هم أنها صواب).. قال المحاضر: لكن هذه الكلمة صحيحة على عكس ما يظن البعض.. سألته عن السبب ، وشرحت له السبب في كونها خطأ، فلم يبد استعدادا لسماعي أساسا، وحاول إقناعي بطريقة (احفظها كدة .. هما قالوها لنا كدة).. فأصررت على مناقشته، لكني لاحظت استياء من ممثلي المعهد، فآثرت الصمت والاحتفاظ برأيي لنفسي، متجاهلا ثقتي في أنني أستطيع إقناعهم جميعا..

قال لي العالمون ببواطن الأمور بعدها أنهم يريدون من يسمع الكلام دون مناقشة.. مش عايزين قلق ووجع دماغ..

حزين؟

مطلقا..

بل أقاوم سعادتي الغامرة.. هذا الفخر الغبي، والشعور المزيف بالبطولة: أنت خسرت بسبب رأيك، الذي تظن أنه صحيح..

مرحى أيها البطل.. العاطل!